يعد العمل جزءًا مهمًا من حياتنا بالنسبة للكثير منا، فهو المكان الذي نقضي فيه الكثير من أوقاتنا، حيث نحصل على دخلنا المادي، ونرى تحقيق ذواتنا فيه. كما يمكن أن يكون العمل مصدرًا على تحقيق رفاهيتنا العقلية والنفسية، لكنه قد يتحول أيضًا إلى مصدر للضغط والتوتر، والأشد من ذلك أنه قد يسبب أزمات نفسية للعاملين والموظفين التي تنعكس سلبًا على أداء الموظفين.
يشكو الشاب محمد العنزي، أحد الموظفين العاملين في أحد المستشفيات الخاصة بالمملكة، من تعرضه للإجهاد النفسي والتوتر العصبي بسبب طول ساعات العمل.
لا يخفي العنزي تعرضه للاكتئاب والإرهاق النفسي في بعض الأحيان في أثناء تواجده في مكان عمله.
العنزي واحد من بين نحو 30 موظفا في عديد شركات ومؤسسات سعودية، يعانون ظروف العمل، وفق رصد قامت به معدات التحقيق.
وإلى جانب العنزي، تفيد هنادي الرويلي، التي تعمل محاسبة بأحد مصانع الأغذية، بتعرضها لتوتر وضغط نفسي في بعض الأحيان نتيجة عدم تقدير مديرها لجهودها المخلصة في العمل.
تنوي الرويلي، ترك العمل الحالي نهاية العام الجاري، علها تجد وظيفة تتمتع خلالها براحة نفسية جيدة، تمكنها من تحقيق التوازن بين عملها وحياتها الخاصة.
بيئة العمل الطاردة :
تعتبر بيئة العمل الطاردة من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى تفاقم الضغوط النفسية لدى الموظفين، حيث يعاني البعض من بيئات عمل غير مريحة، تفتقر إلى التقدير والتحفيز، مما يزيد الشعور بالإحباط والاستياء.
ويؤكد خبراء علم النفس أن بيئة العمل السلبية تؤثر على نحو مباشر على الصحة النفسية للموظفين، مما قد يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وزيادة معدلات الغياب والاستقالة.
كما أن ساعات العمل الطويلة، وضغوط الأداء، وعدم وضوح المهام، وسوء الإدارة، كلها عوامل تسهم في تفاقم التوتر والقلق بين الموظفين.
وقد أظهرت دراسات حديثة أن الموظفين الذين يعملون في بيئات غير داعمة يكونون أكثر عرضة للإصابة بالإجهاد النفسي والتوتر المستمر.
ضحايا الضغوط النفسية :
مع تصاعد التوترات التي يتعرض لها الموظفون، أصبحنا نسمع كثيرًا عن حالات الإرهاق النفسي والانهيار العصبي؛ بسبب الضغوط المرتبطة بالعمل.
ويعاني بعض الموظفين من أعراض مثل القلق، والاكتئاب، واضطرابات النوم، والتوتر المزمن، وهي مشاكل قد تؤدي إلى انخفاض جودة الحياة وزيادة مخاطر الإصابة بأمراض جسدية.
وفي بعض الحالات، يلجأ الموظفون إلى ترك العمل نهائيًا بحثًا عن بيئة أكثر استقرارًا نفسيًا. وتعد هذه الظاهرة مؤشرًا خطيرًا على أهمية تعزيز بيئة عمل صحية تساعد الموظفين على تحقيق التوازن بين حياتهم المهنية والشخصية.
تأثير الضغط النفسي لنظام البصمة :
من بين الأمور التي تثير الجدل في بيئات العمل هو نظام البصمة، حيث يرى بعض الموظفين أنه يمثل ضغطًا نفسيًا كبيرًا بسبب التقييد الصارم بساعات الحضور والانصراف، مما يسبب توترًا إضافيًا، خاصة عند التعرض لمواقف غير متوقعة تؤثر على الالتزام بالمواعيد.
ويرى خبراء الموارد البشرية أن التعامل المرن مع نظام الحضور والانصراف قد يسهم في تخفيف الضغط على الموظفين، خاصة في الظروف الطارئة.
فالمرونة في العمل أصبحت واحدة من أهم العوامل التي تساعد على تحسين الأداء وتقليل مستويات التوتر داخل بيئة العمل.
آراء الخبراء :
د. نورة العتيبي :
"نحتاج إلى بيئة داعمة توفر لنا التوازن بين العمل والأسرة، وغياب الدعم الأسري والمجتمعي يزيد العبء على النساء."
د. سامي الحربي :
"الإدارة السيئة وسوء التنظيم وتراكم القرارات العشوائية تزيد من الإحباط."
د. عبد الله آل دريـا :
"أبرز ضغوط العمل تكمن في أسباب ودوافع الاحتراق الوظيفي، والضغط النفسي في العمل من أهم تلك الضغوط (نظام البصمة)."
في بيئة العمل الحديثة، يعاني الكثير من الموظفين من الضغوط النفسية التي تؤثر على أدائهم وإنتاجيتهم. وتشير الدراسات إلى أن هذه الضغوط قد تكون ناتجة عن عدة عوامل، منها بيئة العمل غير الصحية، وأساليب الإدارة الصارمة، وتراكم المسؤوليات دون توفير بيئة داعمة.
واقع التجربة :
الدكتورة انتصار المعروفة، المختصة في مجال الصحة النفسية، تؤكد أن الضغوط النفسية في بيئة العمل باتت من المشكلات المتزايدة التي تحتاج إلى حلول عملية.
وتوضح أن أحد أهم الحلول يكمن في توفير بيئة عمل مرنة، وإتاحة مساحة للموظفين للتعبير عن مشكلاتهم.
كما يشير الدكتور عبد الله آل دريا إلى أن بعض المؤسسات تعتمد أنظمة صارمة، مثل نظام البصمة، والتي قد تزيد من الضغوط على الموظفين بدلاً من تحسين الإنتاجية.
د. انتصار معروف :
"تفادي الضغوط النفسية في بيئة العمل يمكن أن يكون من خلال التحدث عن ما نشعر به مع أصدقائنا، وهو خطوة نحو تحمل مسؤولية صحتنا النفسية."
د. عمرو حبيب :
"من المهم تقييم مستوى رضا الموظفين، وتحسين العلاقات الاجتماعية مع الزملاء، مع وضع الحدود المناسبة."
حلول ومقترحات :
تعزيز ثقافة الحوار : يجب على الإدارة تشجيع الموظفين على التحدث عن مشكلاتهم ومخاوفهم دون خوف.
تحقيق التوازن بين العمل والحياة : يجب تقليل ضغط العمل وإتاحة الفرصة للموظفين لتحقيق التوازن بين حياتهم المهنية والشخصية.
دعم الصحة النفسية : يمكن توفير برامج دعم نفسي داخل بيئة العمل، مثل جلسات استشارية أو أنشطة ترفيهية.
إعادة النظر في أنظمة الإدارة : ينبغي تقييم مدى تأثير السياسات الصارمة مثل البصمة والعمل الإضافي على راحة الموظفين، والعمل على تحسينها.
في النهاية، تعد بيئة العمل الصحية عاملًا مهمًا في تحسين الإنتاجية وتعزيز الاستقرار النفسي للموظفين، مما ينعكس إيجابيًا على الأداء العام للشركات والمؤسسات.